فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال جمهور المفسرين: إنما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد خوفًا عليهم من إصابة العين. وههنا مقامان: الأوّل أن الإصابة بالعين حق لإطباق كثير من الأمة ولما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة». أي جامعة لشر من لمه إذا جمعه أو المراد ملمة والتغيير للمزاوجة. وعن عبادة بن الصامت قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار فرأيته شديد الوجع، ثم عدت إليه آخر النهار فرءَته معافى. فقال: إن جبرائيل عليه السلام أتاني فرقاني وقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك. قال: فأفقت. وروي أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا: يا رسول الله أصابته العين. قال: «أفلا تسترقون له من العين؟» وعنه صلى الله عليه وسلم: «العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر».
وقالت عائشة: كان يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين. المقام الثاني في الكشف عن حقيقته. قال الجاحظ: يمتد من العين أجزاء فتتصل بالشخص المستحسن فتوثر وتسري فيه كتأثير اللسع والسم. واعترض الجبائي وغيره بأنه لو كان كذلك لأثر في غير المستحسن كتأثيره في المستحسن. وأجيب بأن المستحسن إن كان صديقًا للعائن عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله، وإن كان عدوًا حصل له خوف شديد من حصوله، وعلى التقديرين يسخن الروح وينحصر في داخل القلب ويحصل في الروح الباصرة كيفية مسخنة مؤثرة، فلهذا السبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم العائن بالوضوء من أصابته العين بالاغتسال منه. وقال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي: لا يمتنع أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن غير الله ذلك الشخص حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقًا به. وقال الحكماء: ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة بل قد يكون التأثير نفسانيًا محضًا أو وهميًا كما للماشي على الجذع، أو تصوّريًا كما في الحركات البدنية، وقد يكون للنفوس خواص عجيبة تتصرف غير أبدانها بحسبها فمنها المعجز ومنها السحر ومنها الإصابة بالعين. أما الجبائي وغيره ممن أنكر العين فقد قالوا: إن أولاد يعقوب اشتهروا بمصر وتحدث الناس بكمالهم وجمالهم وهيئتهم فلم يأمن يعقوب أن يخافهم الملك الأعظم على ملكه فيحبسهم. وقيل: إنه كان عالمًا بأن الملك ولده إلا أن الله تعالى لم يأمره بإظهاره وكان غرضه أن يصل بنيامين إليه في غيبتهم قاله إبراهيم النخعي. واعلم أن العبد يجب عليه أن يسعى بأقصى الجهد والقدرة ولكنه بعد السعي البليغ يجب أن يعلم أن كل ما يدخل في الوجود فهو بقضاء الله وقدره وأن الحذر لا يغني عن القدر فلهذا قال يعقوب: {وما أغني عنكم من الله من شيء} فقوله الأوّل مبني على رعاية الأسباب والوسائط، وقوله الثاني إلى آخر الآية إشارة إلى الحقيقة وتفويض الأمر بالكلية إلى مسبب الأسباب. وقد صدقه الله تعالى في ذلك بقوله: {ما كان يغني عنهم من الله من شيء} قال ابن عباس: ما كان ذلك التفرق يردّ قضاء الله تعالى. وقال الزجاج وابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم عند الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم. وقال آخرون: ما كان يغني عنهم رأي يعقوب شيئًا قط حيث أصابهم ما ساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم وأخذ الأخ وتضاعف المصيبة على الأب: {إلا حاجة} استثناء منقطع أي ولكن حاجة: {في نفس يعقوب قضاها} وهي إظهار الشفقة والنصيحة، أو الخوف من إصابة العين، أو من حسد أهل مصر، أو من قصد الملك.
ثم مدحه الله تعالى بقوله: {وإنه لذو علم} يعنى علمه بأن الحذر لا يدفع القدر: {لما علمناه} ما مصدرية أو موصولة أي لتعليمنا إياه، أو للذي علمناه. وقيل: العلم الحفظ والمراقبة. وقيل: المضاف محذوف أي لفوائد ما علمناه وحسن آثاره وإشارة إلى كونه عاملًا بعلمه: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} مثل علم يعقوب أو لا يعلمون أن يعقوب بهذه الصفة في العلم. وقيل: المراد بأكثر الناس المشركون لا يعلمون أن الله تعالى كيف أرشد أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد...} قال: رهب يعقوب عليهم العين.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله: {لا تدخلوا من باب واحد} قال: خشي عليهم العين.
وأخرج ابن جرير، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {لا تدخلوا من باب واحد} قال: خشي يعقوب على ولده العين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {لا تدخلوا من باب واحد} قال: خاف عليهم العين.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لا تدخلوا من باب واحد} قال: كانوا قد أوتوا صورًا وجمالًا، فخشي عليهم أنفس الناس.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبو الشيخ، عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله: {وادخلوا من أبواب متفرقة} قال: أحب يعقوب أن يلقى يوسف أخاه في خلوة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} قال: خيفة العين على بنيه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإنه لذو علم لما علمناه} قال: إنه لعامل بما علم، ومن لا يعمل لا يكون عالمًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}
قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ}: في جواب: {لمَّا} هذه ثلاثة أوجه، أحدها: وهو الظاهر أنه الجملةُ المنفية من قوله: {مَّا كَانَ يُغْنِي}. وفيه حجةٌ لمَنْ يَدَّعي كونَ: {لمَّا} حرفًا لا ظرفًا، إذ لو كانت ظرفًا لعمل فيها جوابُها، إذ لا يَصْلح للعملِ سواه، لكن ما بعد ما النافية لا يَعْمل فيما قبلها، لا يجوز: حين قام أخوك ما قام أبوك، مع جواز لمَّا قام أخوك ما قام أبوك.
والثاني: أنَّ جوابَها محذوفٌ، فقدَّره أبو البقاء: امتثلوا وقَضَوا حاجةَ أبيهم، وإليه نحَا ابن عطية أيضًا، وهو تَعَسُّفٌ لأنَّ في الكلامِ ما هو جوابٌ صريحٌ كما قَدَّمْتُه.
والثالث: أنَّ الجوابَ هو قولُه: {آوى} قال أبو البقاء: وهو جوابُ: {لمَّا} الأولى والثانية كقولك: لمَّا جِئْتني، ولمَّا كَلَّمْتك أَجَبْتَني، وحَسَّن ذلك أنَّ دخولَهم على يوسف عليه السلام يَعْقُبُ دخولهم من الأبواب يعني أنَّ: {آوى} جوابُ الأولى والثانية، وهو واضح.
قوله: {إِلاَّ حَاجَةً} فيه وجهان، أحدهما: أنه استثناءٌ منقطع تقديرُه: ولكنَّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها، ولم يذكر الزمخشري غيره. والثاني: أنه مفعولٌ مِنْ أجله، ولم يذكر أبو البقاء غيره، ويكون التقدير: ما كان يُغْني عنهم لشي من الأشياء إلا لأجلِ حاجةٍ كانت في نفس يعقوب. وفاعل: {يُغْني} ضميرُ التفرقِ المدلولِ عليه من الكلام المتقدم. وفيما أجازه أبو البقاء نظرٌ من حيث المعنى لا يَخْفَى على متأمِّله. و: {قضاها} صفةٌ ل: {حاجةً}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}
يحتمل أن يكون أراد تفريقهم في لدخول لعلَّ واحدًا منهم يقع بَصَرُه على يوسف، فإن لم يره أحدهم قد يراه الآخر.
ويقال ظنَّ يعقوب أنهم في أمر يوسف كانوا في شدة العناية بشأنِه، ولم يعلم أنهم كارهون لمكانه.
{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}
إن لم يحصل مقصودُ يعقوب عليه السلام في المآل حصل مراده في الحال، وفي ذلك القَدْرِ لأرباب القلوب استقلال.
ويقال على الأصاغر حفظُ إشاراتِ الأكابر، والقولُ فيما يأمرون به هل فيه فائدةٌ أم لا- تَرْكٌ للأدب.
ويقال إذا كان مثل يعقوب عليه السلام يشير على أولاده ويتمنَّى به حصولَ مرادِه..
ثم لا يحصل مرادُه عُلِمَ أنه لا ينبغي أن يُعْتَقَدَ في الشيوخ أنَّ جميع ما يريدون يتَّفِقُ كونُه على ما أرادوا؛ لأَنَّ الذي لا يكونُ إلا ما يريده واجبًا وما أراده فهو كائن.. هو اللَّهُ الواحدُ القهارُ. اهـ.

.قال التستري:

قوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [67] فسئل ما حقيقة التوكل؟ قال: الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد.
فقيل: ما حق التوكل؟ فقال: أوله العلم وحقيقته العمل، ثم قال: إن المتوكل إذا كان على الحقيقة لا يأكل طعامًا، وهو يعلم أن غيره أحق منه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: لما تبين لملك الروح قدر يوسف القلب وأمانته وصدقه وحسن استعداده سعى في خلاصه من سجن صفات البشرية ليكون خالصًا له في كشف حقائق الأشياء، ولم يعلم أنه خلق لصلاح جميع رعايا ممكلة روحانية وجسمانية. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في جسد بني آدم مضغة، إن صلحت صلح بها سائر الجسد وإن فسدت فسد بها سائر الجسد ألا وهي القلب» وللقلب اختصاص آخر بالله دون سائر المخلوقات قال سبحانه: لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن: {اجعلني على خزائن} أرض الجسد فإن الله تعالى في كل عضو من الأعضاء خزانة من اللطف إن استعمله الإنسان فيما خلق ذلك العضو لأجله، وخزانة من القهر إن استعمله في ضده: {إني حفيظ} للخزائن: {عليم} باستعمالها فيما ينفعها دون ما يضرها: {نصيب برحمتنا} فيه أن إصابة اللطف من تلك الخزائن دون القهر موكولة إلى مشيئة الله تعالى. {وجاء إخوة يوسف} وهم الأوصاف البشرية: {فعرفهم} يوسف القلب لأنه ينظر بنور الله: {وهم له منكرون} لبقائهم في الظلمة حرمانهم عن النور. {ولما جهزهم} يشير إلى أن يوسف القلب لما التجأت إليه الأوصاف البشرية بدل صفاتها الذميمة النفسانية بالصفات الحميدة الروحانية، فاستدعى منهم إحضار بنيامين السر لأن السر لا يحضر مع القلب إلا بعد التبديل المذكور، وإذا حضر معه يوفى بأوفى الكيل ما لم يوف إلى الأوصاف البشرية: {اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} فيه أن البضاعة كل عمل من الأعمال البدنية التي تحيا بها الأوصاف البشرية إلى حضرة يوسف مردودة إليها، لأن القلب مستغن عنها. وإنما الأوصاف البشرية محتاجة إليها لأن النفس تتأدب وتتزكى بها كما قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] وأن تربية القلب بالأعمال القلبية كالنيات الصالحة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «نية المؤمن خير من عمله» وكالعزائم الخالصة والأخلاق الحميدة والتوكل والإخلاص. ثم قال: كمال تربية القلب بالتخلية وتجلي صفات الحق وصفات ذاته: {لعلهم يرجعون} من صفة الأمارية إلا المأمورية والاطمئنان فيستحق بجذبة: {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28]: {ردّت إلينا} فوائده ما ترجع إلى يوسف القلب: {ونمير أهلنا} الأعضاء والجوارح نحصل لهم قوّة زائدة على الطاعة بواسطة رسوخ الملكة له: {ونحفظ أخانا} من الحوادث النفسانية والوساوس الشيطانية: {ونزداد} بواسطة حضور السر عند القلب: {كيل بعير} من الفوائد الربانية: {وذلك كيل يسير} لمن يسره الله: {لتأتنني به} مع الفوائد الربانية: {إلا أن يحاط بكم} إلا أن يغالب عليكم الأحكام الأزلية: {لا تدخلوا من باب واحد} لا تتقربوا إلى القلب بنوع واحد من المعاملات فللأسباب مدخل في التقريب إلا أن الكل موكل إلى مسبب الأسباب. اهـ.

.تفسير الآيات (69- 75):

قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر تعالى عن دخولهم إلى البلد، أخبر عن دخولهم لحاجتهم إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقاتل: {ولما دخلوا} أي بنوه عليه الصلاة والسلام: {على يوسف} في هذه القدمة الثانية: {آوى إليه أخاه} شقيقه بنيامين بعد أن قالوا له: هذا أخونا الذي أمرتنا به قد أحضرناه، فقال: أصبتم، وستجدون ذلك عندي؛ والإيواء: ضم النفس بالتصيير إلى موضع الراحة، وسبب إيوائه إليه أنه أمر كل اثنين منهم أن يأكلوا على حدة، فبقي بنيامين بلا ثان، فقال: هذا يأكل معي، ثم قال ليا: وكل اثنين منكم في بيت من خمسة أبيات أفردها لهم، وهذا الوحيد يكون معي في بيتي، وهذا التفريق موافق لما أمرهم به أبوهم في تفريق الدخول، فكأنه قيل: ماذا قال له، هل أعلمه بنفسه أو كتم ذلك عنه كما فعل بسائر إخوته؟ فقيل: بل: {قال} معلمًا له، لأنه لا سبب يقتضي الكتم عنه- كما سيأتي بيانه، مؤكدًا لما للأخ من إنكاره لطول غيبته وتغير أحواله وقطع الرجاء منه: {إني أنا أخوك} يوسف: ثم سبب عن ذلك قوله: {فلا تبتئس} أي تجتلب البؤس.
وهو الكراهة والحزن: {بما كانوا} أي سائر الإخوة، كونًا هم راسخون فيه: {يعملون} مما يسوءنا وإن زعموا أنهم بنوا ذلك العمل على علم، وقد جمعنا له خير ما يكون عليه الاجتماع، ولا تعلمهم بشيء من ذلك، ثم إنه ملأ لهم أوعيتهم كما أرادوا.
وكأنه في المرة الأولى أيضًا في تجهيزهم ليتعرف أخبارهم في طول المدة من حيث لا يشعرون، ولذلك لم يعطف بالفاء، وأسرع في تجهيزهم في هذه المرة قصدًا إلى انفراده بأخيه من غير رقيب بالحيلة التي دبرها.
فلذلك أتت الفاء في قوله: {فلما جهزهم} أي أعجل جهاز وأحسنه: {بجهازهم} ويؤيده: {فلما جاء أمرنا} [هود: 66 و82] في قصتي صالح ولوط عليهما الصلاة والسلام- كما مضى في سورة هود عليه الصلاة والسلام: {جعل} أي بنفسه أو بمن أمره: {السقاية} التي له.